ابو غسان
عدد الرسائل : 63 البلد : عمان - الاردن تاريخ التسجيل : 26/02/2010
| موضوع: الموضوع الذي اهلك شباب الامة 24.04.10 23:13 | |
| بسم الله الرحمن الرحيم
{قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي ورزقني منه رزقا حسنا وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب}
الحمد لله وكفى، وصل الله وسلم وبارك على نبيه المصطفى وآله المستكملين الشرفا، ثم أما بعد:
يعيش أهل الإسلام في ظل هذا الدين حياة شريفة كريمة،يجدون من خلالها حلاوة الإيمان، وراحة اليقين والاطمئنان، وأنس الطاعة، ولذةالعبادة، وتقف تعاليم هذا الدين حصنا منيعا ضد نوازع الانحراف وأهواء المنحرفين،تصون الإنسان عن نزواته، وتحميه من شهواته، وتقضي على همومه وأحزانه، فما أغنى من والى دين الله وإن كان فقيرا، وما أفقر من عاداه وإن كان غنيا.
وإن مما يحزن المسلم الغيور على دينه أن يبحث بعض المسلمين عن السعادة في غيره، ويبحثون عن البهجة فيما عداه، يضعون السموم مواضع الدواء، طالبين العافية والشفاء في الشهوات والأهواء. ومن ذلك عكوف كثير من الناس اليوم على استماع آلات الملاهي والغناء، حتى صار ذلك سلواهم متعللين بعلل واهية وأقوال زائفة، تبيح الغناء وليس لهامستند صحيح، يقوم على ترويجها قوم فتنوا باتباع الشهوات واستماع المغنيات.
وكما نرى بعضهم يروج للموسيقى بأنها ترقق القلوب والشعور، وتنمي العاطفة،وهذا ليس صحيحا، فهي مثيرة للشهوات والأهواء، ولو كانت تفعل ما قالوا لرققت قلوب الموسيقيين وهذبت أخلاقهم، وأكثرهم ممن نعلم انحرافهم وسوء سلوكهم.
عبادالله من كان في شك من تحريم الأغاني والمعازف، فليزل الشك باليقين من قول رب العالمين، ورسوله صل الله عليه وسلم الأمين، في تحريمها وبيان أضرارها، فالنصوص كثيرة من الكتاب والسنة تدل على تحريم الأغاني والوعيد لمن استحل ذلك أو أصر عليه،والمؤمن يكفيه دليل واحد من كتاب الله أو صحيح سنة رسول الله صل الله عليه وسلم فكيف إذا تكاثرت وتعاضدت الأدلة على ذلك. ولقد قال سبحانه و تعالى في كتابه العزيز: { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا}
ونظرالخطورة الأغاني، وأنها سبب من أسباب فتنة الناس وإفسادهم وخاصة الشباب منهم، أحببت أن أجمع لكم هذا البحث المختصر والذي يحتوي على موقف كتاب الله وسنة رسوله صل الله عليه وسلم وأئمة أهل العلم من الغناء والموسيقى.
وهذه المادة هي محاولة أردت بها خدمة دين الله عز وجل، ومنفعة المسلمين، سائلا الله تبارك وتعالى أن ينفع بهاوأن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم، وهو حسبنا و نعم الوكيل.
أدلة التحريم من القرآن الكريم:
قوله تعالى: {ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذهاهزوا أولئك لهم عذاب مهين} [سورةلقمان: 6]
قال حبر الأمة ابن عباس رضي الله عنهما: هو الغناء، وقال مجاهدرحمه الله: اللهو: الطبل (تفسير الطبري) وقال الحسن البصري رحمه الله: "نزلت هذه الآية في الغناء والمزامير" (تفسير ابن كثير).
قال ابن القيم رحمه الله: "ويكفي تفسير الصحابة والتابعين للهو الحديث بأنه الغناء فقد صح ذلك عن ابن عباس وابن مسعود، قال أبو الصهباء: سألت ابن مسعود عن قوله تعالى: { ومن الناس من يشتري لهو الحديث } ، فقال: والله الذي لا إله غيره هو الغناء - يرددها ثلاث مرات -، وصح عن ابن عمر رضي الله عنهما أيضا أنه الغناء.." (إغاثة اللهفان لابن القيم).
وكذلك قال جابر وعكرمة وسعيد بن جبير ومكحول وميمون بن مهران وعمرو بن شعيب و غيرهم في تفسير هذه الآية الكريمة. قال الواحدي رحمه الله: وهذه الآية على هذا التفسير تدل على تحريم الغناء (إغاثة اللهفان).
ولقد قال الحاكم في مستدركه عن تفسير الصحابي: "ليعلم طالب هذا العلم أن تفسير الصحابي الذي شهد الوحي و التنزيل عند الشيخين حديث مسند". وقال الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه إغاثة اللهفان معلقا على كلام الحاكم: "وهذا وإن كان فيه نظر فلا ريب أنه أولى بالقبول من تفسير من بعدهم، فهم أعلم الأمة بمراد الله من كتابه، فعليهم نزلوهم أول من خوطب به من الأمة، وقد شاهدوا تفسيره من الرسول علما وعملا، وهم العرب الفصحاء على الحقيقة فلا يعدل عن تفسيرهم ما وجد إليه سبيل".
وقال تعالى: {واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا} [سورة الإسراء:64]
جاء في تفسير الجلالين: (واستفزز): استخف، (صوتك): بدعائك بالغناء والمزامير وكل داع إلى المعصية و هذا أيضا ما ذكره ابن كثيروالطبري عن مجاهد. وقال القرطبي في تفسيره: "في الآية ما يدل على تحريم المزاميروالغناء واللهو..وما كان من صوت الشيطان أو فعله وما يستحسنه فواجب التنزه عنه".
و قال الله عز وجل: { والذين لا يشهدون الزوروإذا مروا باللغو مروا كراما} [الفرقان: 72].
وقد ذكر ابن كثير في تفسيره ماجاء عن محمد بن الحنفية أنه قال: الزور هنا الغناء، وجاء عند القرطبي والطبري عنمجاهد في قوله تعالى: { والذين لا يشهدون الزور} قال: لا يسمعون الغناء. وجاء عن الطبري في تفسيره: "قال أبو جعفر: وأصل الزور تحسين الشيء، ووصفه بخلاف صفته، حتى يخيل إلى من يسمعه أو يراه، أنه خلاف ما هو به، والشرك قد يدخل في ذلك لأنه محسن لأهله، حتى قد ظنوا أنه حق وهو باطل، ويدخل فيه الغناء لأنه أيضا مما يحسنه ترجيع الصوت حتى يستحلي سامعه سماعه" (تفسير الطبري).
وفي قوله عز وجل: { و إذا مروا باللغو مروا كراما} قال الإمام الطبري في تفسيره: { وإذامروا بالباطل فسمعوه أو رأوه، مروا كراما. مرورهم كراما في بعض ذلك بأن لا يسمعوه،وذلك كالغناء}
أدلة التحريم من السنة النبويةالشريفة:
قال رسول الله صل الله عليه وسلم:«ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر و الحرير و الخمر و المعازف، و لينزلن أقوام إلى جنب علم، يروح عليهم بسارحة لهم، يأتيهم لحاجة، فيقولون: ارجع إلينا غدا، فيبيتهم الله، ويضع العلم، ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة» (رواه البخاري تعليقا برقم 5590، ووصله الطبراني والبيهقي، وراجع السلسلة الصحيحة للألباني 91).
وقد أقرّ بصحة هذا الحديث أكابر أهل العلم منهم الإمام ابن حبان، والإسماعيلي، وابن صلاح، وابن حجر العسقلاني، وشيخ الإسلام ابن تيمية، والطحاوي، وابن القيم، والصنعاني، وغيرهم كثير.
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: "ولم يصنع من قدح في صحة هذا الحديث شيئا كابن حزم نصرة لمذهبه الباطل في إباحة الملاهي، وزعم أنه منقطع لأن البخاري لم يصل سنده به". وقال العلامة ابن صلاح رحمه الله: "ولا التفات إليه (أى ابن حزم) في رده ذلك..وأخطأ في ذلك من وجوه..والحديث صحيح معروف الاتصال بشرط الصحيح" (غذاء الألباب في شرح منظومةالآداب لإمام السفاريني).
وفي الحديث دليل على تحريم آلات العزف والطرب من وجهين:
أولاهما قوله صل الله عليه وسلم: "يستحلون"، فإنه صريح بأن المذكورات ومنهاالمعازف هي في الشرع محرمة، فيستحلها أولئك القوم.
ثانيا: قرن المعازف مع ما تم حرمته وهو الزنا والخمر والحرير، ولو لم تكن محرمة - أى المعازف - لما قرنها معها" (السلسلة الصحيحة للألباني 1/140-141 بتصرف). قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فدل هذا الحديث على تحريم المعازف، والمعازف هي آلات اللهو عند أهل اللغة، وهذا اسم يتناول هذه الآلات كلها" (المجموع).
وروى الترمذي في سننه عن جابر رضي الله عنه قال: « خرج رسول الله صل الله عليه وسلم مع عبد الرحمن بن عوف إلى النخيل،فإذا ابنه إبراهيم يجود بنفسه، فوضعه في حجره ففاضت عيناه، فقال عبد الرحمن: أتبكي وأنت تنهى عن البكاء؟ قال: إني لم أنه عن البكاء، وإنما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند نغمة لهو ولعب ومزامير شيطان، وصوت عند مصيبة: خمش وجوه وشق جيوب ورنة » (قال الترمذي: هذا الحديث حسن، وحسنه الألباني صحيح الجامع 5194).
وقال صل الله عليه و سلم: « صوتان ملعونان، صوت مزمار عند نعمة، و صوت ويل عند مصيبة» (إسناده حسن، السلسلةالصحيحة 427)
وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:« ليكونن في هذه الأمة خسف، وقذف، ومسخ، وذلك إذا شربوا الخمور،واتخذوا القينات، وضربوا بالمعازف» (صحيح بمجموع طرقه، السلسلة الصحيحة 2203)
قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله حرم على أمتي الخمر، والميسر، والمزر، والكوبة،والقنين، وزادني صلاة الوتر» (صحيح، صحيح الجامع 1708). الكوبة هي الطبل،أما القنين هو الطنبور بالحبشية (غذاء الألباب).
وروى أبي داوود في سننه عن نافع أنه قال: « سمع ابن عمر مزمارا، قال: فوضع أصبعيه على أذنيه، ونأى عن الطريق، وقال لي: يا نافع هل تسمع شيئا؟ قال: فقلت: لا ! قال: فرفع أصبعيه من أذنيه، وقال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم، فسمع مثل هذا! فصنع مثل هذا» (حديث صحيح، صحيح أبي داوود 4116).
و علق على هذا الحديث الإمام القرطبي قائلا: "قال علماؤنا: إذا كان هذا فعلهم في حق صوت لا يخرج عن الاعتدال، فكيف بغناء أهل هذا الزمان وزمرهم؟!" (الجامع لأحكام القرآن للقرطبي).
أقوال أئمة أهل العلم:
قال الإمام عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه: الغناء مبدؤه من الشيطان وعاقبته سخط الرحمن (غذاءالألباب)، ولقد نقل الإجماع على حرمة الاستماع إلى الموسيقى والمعازف جمع من العلماء منهم: الإمام القرطبي وابن الصلاح وابن رجب الحنبلي. فقال الإمام أبوالعباس القرطبي: الغناء ممنوع بالكتاب والسنة وقال أيضا: "أما المزامير والأوتاروالكوبة (الطبل) فلا يختلف في تحريم استماعها ولم أسمع عن أحد ممن يعتبر قوله من السلف وأئمة الخلف من يبيح ذلك، وكيف لا يحرم وهو شعار أهل الخمور والفسوق ومهيج الشهوات والفساد والمجون؟ وما كان كذلك لم يشك في تحريمه ولا تفسيق فاعله وتأثيمه" (الزواجر عن اقتراف الكبائر لابن حجر الهيثمي). وقال ابن الصلاح: الإجماع على تحريمه ولم يثبت عن أحد ممن يعتد بقوله في الإجماع والاختلاف أنه أباح الغناء..
قال القاسم بن محمد رحمهالله: الغناء باطل، والباطل فيالنار.
وقال الحسن البصري رحمه الله: إن كان في الوليمة لهو –أى غناء ولعب-، فلا دعوة لهم (الجامع للقيرواني).
قالالنحاس رحمه الله: هو ممنوع بالكتاب والسنة،وقال الطبري: وقد أجمع علماء الأمصار على كراهة الغناء، والمنع منه. ويقول الا مام الأوزاعي رحمه الله: لا تدخل وليمة فيها طبل ومعازف.
قال ابنالقيم رحمه الله في بيان مذهب الإمام أبي حنيفة: "وقد صرح أصحابه بتحريم سماعالملاهي كلها كالمزمار والدف، حتى الضرب بالقضيب، وصرحوا بأنه معصية توجب الفسق وترد بها الشهادة، وأبلغ من ذلك قالوا: إن السماع فسق والتلذذ به كفر، وورد في ذلك حديث لا يصح رفعه، قالوا ويجب عليه أن يجتهد في أن لا يسمعه إذا مر به أو كان في جواره" (إغاثة اللهفان) وروي عن الإمام أبي حنيفة أنه قال: الغناء من أكبر الذنوب التي يجب تركها فورا. وقد قال الإمام السفاريني في كتابه غذاء الألباب معلقا على مذهب الإمام أبو حنيفة: "وأما أبو حنيفة فإنه يكره الغناء ويجعله من الذنوب، وكذلك مذهب أهل الكوفة سفيان وحماد وإبراهيم والشعبي وغيرهم لا اختلاف بينهم في ذلك، ولانعلم خلافا بين أهل البصرة في المنع منه".
وقد قال القاضي أبو يوسف تلميذ الإمام أبى حنيفة حينما سئل عن رجل سمع صوت المزامير من داخل أحد البيوت فقال: "ادخل عليهم بغير إذنهم لأن النهي عن المنكر فرض".
أما الإمام مالك فإنه نهى عن الغناء و عن استماعه، وقال رحمه الله عندما سئل عن الغناء و الضرب على المعازف: "هل من عاقل يقول بأن الغناء حق؟ إنما يفعله عندنا الفساق" (تفسير القرطبي). والفاسق في حكم الإسلام لاتقبل له شهادة ولا يصلي عليه الأخيار إن مات، بل يصلي عليه غوغاء الناس وعامتهم.
قال ابن القيم رحمه الله في بيان مذهب الإمام الشافعي رحمه الله: "وصرح أصحابه - أى أصحاب الإمام الشافعى - العارفون بمذهبه بتحريمه وأنكروا على من نسب إليه حله كالقاضي أبي الطيب الطبري والشيخ أبي إسحاق وابن الصباغ" (إغاثةاللهفان). وسئل الشافعي رضي الله عنه عن هذا؟ فقال: أول من أحدثه الزنادقة في العراق حتى يلهوا الناس عن الصلاة وعن الذكر (الزواجر عن اقتراف الكبائر).
قال ابن القيم رحمه الله: "وأما مذهب الإمام أحمد فقال عبدالله ابنه: سألت أبي عن الغناء فقال: الغناء ينبت النفاق بالقلب، لا يعجبني، ثم ذكرقول مالك: إنما يفعله عندنا الفساق" (إغاثة اللهفان). وسئل رضي الله عنه عن رجل مات وخلف ولدا وجارية مغنية فاحتاج الصبي إلى بيعها فقال: تباع على أنها ساذجة لا على أنها مغنية، فقيل له: إنها تساوي ثلاثين ألفا، ولعلها إن بيعت ساذجة تساوي عشرين ألفا، فقال: لاتباع إلا أنها ساذجة. قال ابن الجوزي: "وهذا دليل على أن الغناءمحظور، إذ لو لم يكن محظورا ما جاز تفويت المال على اليتيم" (الجامع لأحكامالقرآن). ونص الإمام أحمد رحمه الله على كسر آلات اللهو كالطنبور وغيره إذا رآهامكشوفة، وأمكنه كسرها (إغاثة اللهفان).
قالشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "مذهب الأئمة الأربعة أن آلات اللهو كلها حرام...ولم يذكر أحد من أتباع الأئمة في آلات اللهو نزاعا" (المجموع). وقال أيضا: "فاعلم أنه لم يكن في عنفوان القرون الثلاثة المفضلة لا بالحجاز ولا بالشام ولا باليمن ولا مصر ولاالمغرب ولا العراق ولا خراسان من أهل الدين والصلاح والزهد والعبادة من يجتمع على مثل سماع المكاء والتصدية لا بدف ولا بكف ولا بقضيب وإنما أحدث هذا بعد ذلك في أواخر المائة الثانية فلما رآه الأئمة أنكروه" وقال في موضع آخر: "المعازف خمرالنفوس، تفعل بالنفوس أعظم مما تفعل حميا الكؤوس" (المجموع)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في بيان حال من اعتاد سماع الغناء: "ولهذا يوجد من اعتاده واغتذى به لا يحن على سماع القرآن، ولا يفرح به، ولا يجد في سماع الآيات كما يجد في سماع الأبيات، بل إذا سمعوا القرآن سمعوه بقلوب لاهية وألسن لاغية، وإذا سمعواالمكاء والتصدية خشعت الأصوات وسكنت الحركات وأصغت القلوب" (المجموع).
قال الألباني رحمه الله: "اتفقت المذاهب الأربعةعلى تحريم آلات الطرب كلها" (السلسلة الصحيحة 1/145).
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: "إنك لا تجد أحدا عني بالغناء وسماع آلاته إلا وفيه ضلال عن طريق الهدى علما وعملا، وفيه رغبة عن استماع القرآن إلى استماع الغناء". وقال عن الغناء: "فإنه رقية الزنا، وشرك الشيطان، وخمرة العقول، ويصد عن القرآن أكثر من غيره من الكلام الباطل لشدة ميل النفوس إليه ورغبتها فيه". وقال رحمه الله:
حب القرآن وحب ألحان الغنا
في قلب عبد ليس يجتمعان [center]والله ما سلم الذي هو دأبه
أبدا من الإشراك بالرحمن
وإذا تعلق بالسماع أصاره
عبدا لكـل فـلانة وفلان
و بذلك يتبين لنا أقوال أئمة العلماء واقرارهم على حرمية الغناء والموسيقى والمنع منهما.
الاستثناء:
ويستثنى من ذلك الدف - بغير خلخال- في الأعياد والنكاح للنساء، وقد دلت عليه الأدلة الصحيحة، قال شيخ الإسلام رحمه الله: "ولكن رخص النبي صل الله عليه وسلم في أنواع من اللهو في العرس ونحوه كما رخص للنساء أن يضربن بالدف في الأعراس والأفراح، وأما الرجال على عهده فلم يكن أحد على عهده يضرب بدف ولا يصفق بكف، بل ثبت عنه في الصحيح أنه قال: التصفيق للنساء والتسبيح للرجال، ولعن المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين من الرجال بالنساء" (المجموع). وأيضا من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "دخل علي أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بما تقاولت به الأنصار في يوم بعاث قالت وليستا بمغنيتين فقال أبوبكر أبمزمور الشيطان في بيت النبي صلى الله عليه وسلم وذلك في يوم عيد الفطر فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا أبا بكر إن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا" (صحيح، صحيح ابن ماجه 1540).
الردعلى من استدل بحديث الجاريتين في تحليل المعازف:
قال ابن القيم رحمه الله: "وأعجب من هذا استدلالكم على إباحة السماع المركب مما ذكرنا من الهيئة الاجتماعية بغناء بنتين صغيرتين دون البلوغ عند امرأة صبية في يوم عيد وفرح بأبيات من أبيات العرب في وصف الشجاعة والحروب ومكارم الأخلاق والشيم، فأين هذا من هذا، والعجيب أن هذا الحديث من أكبر الحجج عليهم، فإن الصديق الأكبر رضي الله عنه سمى ذلك مزمورا من مزامير الشيطان، وأقره رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذه التسمية، ورخص فيه لجويريتين غير مكلفتين ولا مفسدة في إنشادهما ولاستماعهما، أفيدل هذا على إباحة ما تعملونه وتعلمونه من السماع المشتمل على ما لا يخفى؟! فسبحان الله كيف ضلت العقول والأفهام" (مدارج السالكين)،
وقال ابن الجوزي رحمه الله: "وقد كانت عائشة رضي الله عنها صغيرة في ذلك الوقت، و لم ينقل عنها بعدبلوغها وتحصيلها إلا ذم الغناء ، قد كان ابن أخيها القاسم بن محمد يذم الغناء ويمنع من سماعه وقد أخذ العلم عنها" (تلبيس إبليس).
ابن حزم و إباحة الغناء
من المعروف والمشهور أن ابن حزم رحمه الله يبيح الغناء، كما هو مذكورفي كتابه المحلى.
لكن الذي نريد أن ننبه عليه أن الناس إذا سمعوا أن ابن حزم أوغيره من العلماء يحللون الغناء، ذهب بالهم إلى الغناء الموجود اليوم في القنوات والإذاعات وعلى المسارح والفنادق وهذا من الخطأ الكبير. فمثل هذا الغناء لا يقول به مسلم، فضلا عن عالم؛ مثل الإمام الكبير ابن حزم. فالعلماء متفقون على تحريم كل غناءيشتمل على فحش أو فسق أو تحريض على معصية.
ونحن نعلم حال الغناء اليوم ومايحدث فيه من المحرمات القطعية، كالتبرج والاختلاط الماجن والدعوة السافرة إلى الزنىوالفجور وشرب الخمور، تقف فيه المغنية عارية أو شبه عارية أمام العيون الوقحةوالقلوب المريضة لتنعق بكلمات الحب والرومانسية. ويتمايل الجميع رجالا ونساءويطربون في معصية الله وسخطه.
ولذلك نقول: إن على من يشيع في الناس أن ابن حزم يبيح الغناء، أن يعرف إلى أين يؤدي كلامه هذا إذا أطلقه بدون ضوابط وقيود،فليتق الله وليعرف إلى أين ينتهي كلامه؟! وليتنبه إلى واقعه الذي يحيا فيه.
ثم أعلم كون ابن حزم أو غيره يبيح أمرا جاء النص الصريح عن النبي صل الله عليه وسلم بتحريمه لا ينفعك عند الله،
قال سليمان التيمي رحمه الله: لوأخذت برخصة كل عالم، أو زلة كل عالم، اجتمع فيك الشر كله.
وقد قال الله جلوعلا: { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} [الحشر:7]،
وقال أيضا: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} [ النور:63].
ولله در القائل:
العلم قال الله قال رسوله إنصحوالإجماع فاجهد فيهوحذار من نصب الخلاف جهالة بين الرسول وبين رأي فقيه
أما حكم الأناشيد الإسلامية الخالية من الموسيقى فهو كالأتى:
صح أن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام رضوان الله عليهم قد سمعوا الشعر وأنشدوه واستنشدوه من غيرهم، في سفرهم وحضرهم، وفي مجالسهم وأعمالهم، بأصوات فردية كما في إنشاد حسان بن ثابت وعامر بن الأكوع رضي الله عنهم ، وبأصوات جماعية كما في حديث أنس رضي الله عنه في قصة حفر الخندق،قال: فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بنا من النصب والجوع قال: « اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة، فاغفر للأنصاروالمهاجرة » . فقالوا مجيبين: نحن الذين بايعوا محمدا، على الجهاد ما بقينا أبدا" (رواه البخاري 3/1043).
وفي المجالس أيضا؛ أخرج ابن أبي شيبة بسند حسن عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: "لم يكن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منحرفين ولا متماوتين، كانوا يتناشدون الأشعارفي مجالسهم، وينكرون أمر جاهليتهم، فإذا أريد أحدهم عن شيء من دينه دارت حماليق عينه" (مصنف ابن أبي شيبة 8/711).
فهذه الأدلة تدل على أن الإنشاد جائز،سواء كان بأصوات فردية أو جماعية، والنشيد في اللغة العربية: رفع الصوت بالشعر مع تحسين وترقيق (القاموس المحيط). وهناك ضوابط تراعى في هذا الأمر وضعها لنا أهل العلم وهي: عدم استعمال الآلات والمعازف المحرمة في النشيد، عدم الإكثار منه وجعله دين المسلم وكل وقته وتضييع الواجبات والفرائض لأجله، أن لا يكون بصوت النساء، وأن لا يشتمل على كلام محرم أو فاحش، وأن لا يشابه ألحان أهل الفسق والمجون، وأن يخلومن المؤثرات الصوتية التي تنتج أصواتا مثل أصوات المعازف. وأيضا يراعى أن لا يكونذا لحن يطرب به السامع ويفتنه كالذين يسمعون الأغاني.
وللاستزادة يمكن مراجعة: كتاب الإعلام بنقد كتاب الحلال والحرام للشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان، وكتاب السماع لشيخ الإسلام ابن القيم، وكتاب تحريم آلات الطرب للشيخ محمدناصر الدين الألباني رحمه الله.
وختاما..
قال الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه إغاثة اللهفان: "اعلم أن للغناء خواص لها تأثير في صبغ القلب بالنفاق، ونباته فيه كنبات الزرع بالماء.
فمن خواصه: أنه يلهي القلب ويصده عن فهم القرآن وتدبره، والعمل بمافيه، فإن الغناء والقرآن لا يجتمعان في القلب أبدا لما بينهما من التضاد، فإن القرآن ينهى عن اتباع الهوى، ويأمر بالعفة، ومجانبة شهوات النفوس، وأسباب الغي،وينهى عن اتباع خطوات الشيطان، والغناء يأمر بضد ذلك كله، ويحسنه، ويهيج النفوس إلىشهوات الغي فيثير كامنها، ويزعج قاطنها، ويحركها إلى كل قبيح، ويسوقها إلى وصل كلمليحة ومليح، فهو والخمر رضيعا لبان، وفي تهييجهما على القبائح فرسا رهان..إلخ".
فيا أيها المسلمون: نزهوا أنفسكم وأسماعكم عن اللهو ومزامر الشيطان، وأحلوها رياض الجنان، حلق القرآن، وحلق مدارسة سنة سيدالأنام، عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام، تنالوا ثمرتها، إرشادا من غي، وبصيرة منعمي، وحثا على تقى، وبعدا عن هوى، وحياة القلب، ودواء وشفاء، ونجاة وبرهانا، وكونواممن قال الله فيهم: { والذين هم عن اللغو معرضون}.
وفق الله المسلمين للتمسك بدينهم والبصيرة في أمرهم إنه قريب مجيب.
و الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات..
روابط أخرى لها علاقة بموضوع المقالة :
محاضرة: كلمات الأغاني في ميزان الشريعة.. للشيخ محمد المنجد[/center]
</B></I> | |
|